اليوم العالمي للمرأة الريفية 15 تشرين الأول /أكتوبر 2024
2024-10-15
تحية وطنية معطرة بعبق الزيتون ورمزيته في السلام والنضال... نبرقها للنساء الفلسطينيات في القرى والأغوار والمسافر وكافة أرجاء وطننا القابض على الجمر منذ أكثر من 76 عاما. تحية صمود للنساء الريفيات النازحات في خيم اللجوء وللصامدات على قمم جبال فلسطين وفي سهولها في موسم قطاف الزيتون الذي أكد تشبثنا بأرضنا وإنغماسنا فيها على مر العصور.
موسم قطاف الزيتون أحد أهم الطقوس التراثية والإحتفالية الفلسطينية التي عززت قيم التجذر في الأرض رغم آنف الإحتلال. حيث تتجدد سنوياً خلاله مشاهد إحياء الذاكرة الفلسطينية الممزوجة بالترابط الثقافي والإجتماعي والتشاركي بين الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. إلى جانب أثره الإقتصادي حيث يمثل الزيتون 25_30% من إجمالي الإنتاج الزراعي الفلسطيني. ويعتبر مصدر دخل للعائلات الفلسطينية وبالأخص النساء اللواتي يعملن فيه بشكل ذاتي أو ممن ينتسبن لجمعيات أو مشاريع نسوية صغيرة ومتناهية الصغر لصنع وبيع المنتجات الغذائية أو التجميلية التراثية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكنه يزورنا هذا العام متشحاً بالحزن باستمرار حرب الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر 2023 والتي شكلت عائقاً إضافياً أمام النساء الريفيات اللواتي يشكلن 49% من سكان الريف الفلسطيني. وفاقمت معاناة إضافية على العاملات في قطاع الزراعة في الريف والتي بلغت نسبتهن 14.6% ويشكلن 84% من العاملين في الزراعة الأسرية أيضا.
أسهم قطاع غزة الصامد قبل العدوان الإسرائيلي في توفير 44% من حاجات السكان من المنتجات الزراعية، وما نسبته 55% من مجمل الصادرات الزراعية. إلا أن العدوان الإسرائيلي المستمر أدى الى تدمير 75% من هذا القطاع.
حيث كانت خانيونس أكبر مساحة من الأراضي الزراعية المتضررة بنسبة 61.5 % في حين سجلت محافظة شمال غزة أعلى نسبة من الأضرار وصلت 78.2 % بحسب المحافظة. كما أشارت تقارير دولية لتضرر 71.2% من البساتين والأشجار، و67.1% من المحاصيل الحقلية، و58.5% من الخضروات إضافة للإستهداف المباشر لمزارع الأبقار والدواجن، فقد نفق في غزة ما يقرب من 95 % من الماشية ولم يبقَ حياً في قطاع الدواجن سوى 1%. كما تضرر 52% من الآبار الزراعية و44% من الدفيئات. ما أحدث أضرار جسيمة على الريف الفلسطيني ومقدراته الزراعية في غزة والذي يعد مصدر أمن غذائي وإقتصادي ما فاقم من أزمة الغذاء والمجاعة، إضافة للقضاء على المشاريع الزراعية التي كانت تديرها وتملكها النساء. وشكل أمامهن عائق منيعا في القدرة على توفير الغذاء والدخل خاصة أن الكثيرات منهن أصبحن المعيل الأول أو الوحيد للأسرة بسبب فقدان الزواج نتيجة الإستشهاد أو الإعتقال أو سياسة الإختفاء القسري أو النزوح المتكرر أو الإصابة.
ولا تتوقف معاناة النساء الريفيات في غزة على الجانب الزراعي فقط بل تتصور بجرائم لا يمكن حصر أشكالها وأثارها على الصحة والتعليم والعمل والسلام النفسي فهناك القتل، والإعتقال، والهدم، والحرق، وقصف المدارس والمستشفيات وتجفيف الموارد وغيرها من صنوف العذاب المرئية والمسموعة بحق النساء والأطفال وكافة فئات المجتمع في ظل إزدواجية المعايير الدولية في حماية الفلسطينيات.
كما أن سياسة الأبارتهايد التي يمارسها الإحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني تسببت بخسارة الفلسطينيين لأكثر من 35% من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية بشكل دائم، إلى جانب إعاقة الوصول الى الأراضي الزراعية في المناطق المصنفة (ج) والتي تشكل 61% من أراضي الضفة، وهدم241 منشاة زراعية إضافة لرصد 9600 عملية إعتداء على الأشجار من خلال الحرق، والإقتلاع، والتسميم. علاوة على الإعتداءات المتكررة على المزارعين والمزارعات والإستيلاء على ممتلكاتهم، وفرض الحواجز العسكرية التي تحول دون وصولهم الى أراضيهم لقطف الزيتون أو الوصول للموارد الطبيعية. وتكثيف البؤر الإستيطانية وقضم الأراضي والإستيلاء عليها بحماية الجيش الإسرائيلي حيث تم الإستيلاء على 52 ألف دونم في الضفة الغربية مستغلين ظروف الحرب. ومصادرة نحو 9.4% من الأراضي الزراعية عن أصحابها. كما تم الإستيلاء على 60% من الأراضي الزراعية في الأغوار والتي تمثل خط الدفاع الأول عن السيادة الوطنية والإقتصاد الفلسطيني، والسيطرة عليها تعني التحكم في 40% من الموارد المائية في الضفة الغربية وفقدان الأغوار يعني فقدان مصدر رئيسي للمياه والزراعة، ما يهدد الإستقلال الإقتصادي الفلسطيني، ويجعل المنطقة محوراً أساسياً في الصراع السياسي المستمر. كما ينعكس أيضا على عمل النساء في تلك المناطق ويؤدي إلى افقادهن مصدر دخلهن الرئيسي من العمل في قطاع الزراعة.
أن استمرار التوسع الإستيطاني الإسرائيلي الهادف لإحلال المستوطنين الغزاة في وطننا ينذر بانهيار الإقتصاد الفلسطيني وإرتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل أكبر مما هو عليه الحال، وستكون النساء من أكثر الفئات تضرراً كونها الأكثر هشاشة وتأثر لهذه الصدمات نظراً لمحدودية مصادر الدخل وإرتفاع معدلات الفقر وتدني نسبة الملكية ومحدودية وصولهن للموارد الطبيعية ومنها المياه حيث سيطر الإحتلال الإسرائيلي على حوالي 85% من مصادر المياه في الضفة الغربية، ما يترك الفلسطينيين يعتمدون على أقل من 15% من المياه المتاحة. إضافة لسياسة تلويث التربة بالمياه العادمة ومخلفات المصانع الكيماوية ما يضاعف من أعباء المرأة الريفية في القطاع الزراعي ويعرقل مسيرتها في النهوض والصمود الإجتماعي والإقتصادي.
ولا تقتصر معاناة المرأة الريفية في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر على الواقع الزراعي وحسب، وإنما تمتد لتشديد الخناق على الحركة والتنقل بفعل إرتفاع عدد الحواجز منذ السابع من اكتوبر 2023 الى 872 حاجز إضافة لسياسة الإقتحامات والإنتهاكات وحملات الإعتقالات وشرذمة أوصال الوطن وقطع الطرق بين القرى والمناطق النائية والمهمشة والمدن، ما يلقي بظلاله على تعطيل المسيرة التعليمية والإقتصادية للنساء الريفيات الطالبات والعاملات في كافة المجالات. إضافة لصعوبة الحصول على الخدمات الطبية أو الحصول عليها. خاصة الحوامل ومن يعانين من أمراض خطيرة مزمنة كالسكري والسرطان والكلى وغيرها.
بالإضافة لتداعيات الحرب وأثرها على البيئة والمناخ وتقويض فرص وصول النساء الى الموارد الطبيعية تزامناً مع سياسة التجويع والتعطيش والأزمة المالية التي تمر بها الحكومة الفلسطينية وما ترتب عليها من عدم انتظام صرف الرواتب للموظفين العمومين وصرف ما لا يزيد عن 60% منها، وتوقف حوالي 90% من العمال عن العمل داخل الأراضي المحتلة. وتخفيض عدد ساعات العمل لحوالي 51% من المشاريع النسوية. كل ذلك جعل الأسر في المناطق الريفية في أوضاع كارثية فأضحت غير قادرة على تحمل تكاليف التعليم والتنقل أو الإلتزام اليومي بالعمل لها ولأبنائها ومنهم الفتيات مما أثر بشكل مباشر ومضطرد على الإنتاج والدخل.
وأننا في وزارة شؤون المرأة الفلسطينية نؤكد على مطالبنا التالية:
1. نطالب المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية والحقوقية المختصة بالوقوف عند مسؤولياتها لوقف حرب الإبادة والتطهير العرقي فوراً.
2. نطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية الدولية للريف الفلسطيني من إعتداءات قطعان المستوطنين الممنهجة وإنتهاكاتهم اليومية.
3. نطالب المؤسسات الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية لتنسيق حملة دولية لفضح جرائم الحرب الإسرائيلية والإنتهاكات المتكررة بحق المرأة الريفية والبيئة الفلسطينية.
4. ندعو المقررين الخاصين بحقوق الانسان والبيئة في مجلس حقوق الانسان والجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة من خلال وزارة الخارجية للوقوف عند مسؤولياتهم في حماية الريف الفلسطيني والبيئة الفلسطينية حيث انضمت فلسطين لحوالي 12 اتفاقية بيئية تشكل الإعتداءات الإحتلالية آنفة الذكر وغيرها خرقاً واضحاً لها ولحقوق الفلسطينيين المرتبطة بها.
المجد والخلود لشهدائنا الآبرار........والشفاء للجريحات والجرحى ....... والحرية للأسيرات والأسرى
عاشت فلسطين وعاش شعبها الصامد