
المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة تنظم ورشة عمل متخصصة بعنوان "الأساليب الفعّالة لقياس الأداء في الإدارة العامة"
رام الله – الاثنين 2 حزيران 2025، نظّمت المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة ورشة عمل متخصصة بعنوان "الأساليب الفعّالة لقياس الأداء في الإدارة العامة"، بحضور واسع من قادة العمل الحكومي وبمشاركة متميزة من الخبير الدولي في الحوكمة والتحديث الإداري السيد هشام الجابي، كبير مستشاري مؤسسة بالديوم الدولية الأمريكية، والذي يتمتع بخبرة تتجاوز 25 عاماً في تصميم السياسات العامة وتقييم الأداء المؤسسي في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى خبراته الواسعة في أوروبا وأميركا والشرق الأوسط ودول متعددة حول العالم.
افتتح الورشة معالي الوزير موسى أبو زيد، رئيس ديوان الموظفين العام ورئيس مجلس إدارة المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة، معبراً عن اعتزازه بالحضور الرسمي والذي يشكّل انعكاساً واضحاً لالتزام المشاركين واحترامهم للمؤسسات التي يمثلونها، وكذلك تقديرهم لأهمية هذه الورشة. وأكد الوزير أبو زيد أن الإدارة العامة ليست مجرد ممارسة روتينية بل هي فن يرتكز إلى الإمكانيات المتاحة، وعمل نوعي تراكمي يقوده وعي قيادي قادر على بلورة الرؤية وتحويلها إلى أثر ملموس. كما أشار إلى أن نجاح أي مؤسسة في تحقيق أهدافها يستند إلى قدرتها على إشراك موظفيها وأصحاب المصلحة منذ البداية، مؤكداً على ضرورة أن تكون الأولويات والسياسات الوطنية نابعة من احتياجات المواطن، مشدداً على أن الإدارة الناجحة هي التي تُبنى على ثقافة الأداء والتقييم والتحسين المستمر. كما شدد على أن القياس الفعّال للأداء ليس أداة محاسبة فقط، بل هو جوهر العمل الإداري السليم، وشرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
من جانبه، عبّر السيد هشام الجابي عن بالغ امتنانه لهذه الفرصة، ووجه شكره للوزير أبو زيد على دعمه المتواصل لنهج التحديث والتطوير الإداري، مشيراً إلى أن المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة تمثل إنجازاً حقيقياً في مجال بناء القدرات الحكومية. وقال الجابي: "حين دخلت المدرسة وشاهدت مستوى الاستقبال والتنظيم والكوادر والكفاءات المهنية، شعرت أنني أمام تجربة مؤسسية متميزة تتفوق على كثير من النماذج في المنطقة". وأضاف أن الفئة المستهدفة في هذه الورشة، من قيادات العمل الحكومي، تلعب دوراً حاسماً في إحداث التغيير، من خلال قيادة تحول ثقافي ومؤسسي يعزز الأداء ويستجيب لحاجات الناس.
وقد تميزت الورشة بمحتوى فني عميق جمع بين الأطر والتطبيقات الفنية والعملية في مجال الإدارة العامة، حيث تطرّق الجابي إلى تحليل معمق لمستويات العمل الحكومي (السياسات، البرامج، المشاريع) وأثرها على عمليات التخطيط والقياس، موضحاً أهمية التمييز المنهجي بينها لضمان وضوح الأدوار والمؤشرات والأهداف. وتم التطرق إلى أدوات القياس النوعي والكمي، وكيفية ربطها بمصفوفات الأداء الوطنية، مع التركيز على ضرورة تطوير نظم معلومات متكاملة لإدارة الأداء ترتبط بمستويات التخطيط القطاعي والوطني.
وقد تناولت الورشة عدة محاور عملية هامة، بدأت بتوضيح الفروقات بين السياسات والبرامج والمشاريع، وأثر هذه المستويات المختلفة على التخطيط والقياس. كما تم التطرق إلى التمايز بين الإدارة العامة وإدارة المشاريع من حيث الهيكل والمساءلة وأطر الأداء. واستعرض الجابي أساليب وأدوات قياس الأداء عبر القطاعات المختلفة، موضحًا كيف يمكن مواءمة المشاريع والبرامج الحكومية مع السياسات الوطنية، لضمان اتساق الأهداف، وتحقيق الأثر المرجو.
كما طُرحت في الورشة نماذج متقدمة من نظم الأداء المؤسسي، بما في ذلك تكامل نظم المعلومات الحكومية مع خرائط الأثر والتنمية الوطنية، من خلال بناء مصفوفات نتائج مترابطة على مستوى السياسات القطاعية، تعكس تسلسلاً من الأهداف الاستراتيجية وصولاً إلى المخرجات التشغيلية. تم تحليل هذه النماذج باستخدام مقاربات عملية (مثل نظرية التغيير والإطار المنطقي)، وتوضيح كيفية توظيفها في السياق الفلسطيني لتخطيط تدخلات أكثر اتساقاً ومرونة.
وتخللت الورشة نقاشات غنية حول أهمية وضع مؤشرات أداء واقعية ومرتبطة بالسياق الفلسطيني، وكيفية دمج آليات المتابعة والتقييم ضمن دورة التخطيط والتنفيذ. كما تم استعراض تجارب دولية ناجحة، مثل نموذج نيجيريا في إصلاح الموازنة والمشاركة المجتمعية، ونموذج ملاوي في التغيير القائم على تحليل الاقتصاد السياسي، كمصادر إلهام للتجربة الفلسطينية.
وقد اختتمت الورشة بنقاش مفتوح بين المشاركين والمتحدث، تم فيه تبادل الأفكار والتجارب، بما يعكس وعياً متقدماً بأهمية تعزيز ثقافة الأداء، وضرورة التحول من إدارة النمط إلى إدارة النتائج، ومن الاستجابة المؤقتة إلى التخطيط الاستراتيجي القائم على احتياجات المجتمع الفلسطيني.